قصة بعنوان الكنز المفقود والإخوة الثلاث

هي خصبة وشاسعة وتطِلُّ على شلال زاد في اخضرارها وكان سبباً في رسم ذالك المنظر الجميل الذي تراءت له أعين المزارعين والمتمنيين في الحصول عليها أرض الإخوة الثلاث ومرت السنين .
كان الأب هزيل الجسم منطوي قد أعيته الدنيا ومتاعبها التي قد أحاطت به إثر العمل الشاق وتقدمه في السّن ، فلازم الفراش مدة طويلة من الزمن وأبناؤه الثلاث يراقبونه وقد يئسوا من شفائه وهم ينظرون إلى عالم يخلوا فيه وجه أبيهم المريض ، وهو على تلك الحال إلى أن أشار بيده وهو يلوّح لهم بالدُّنوِّ منه مخاطبهم بالإقتراب فاقتربوا منه متسائلين عمّا يجول في خاطر أبيهم ، ثم قال الأرض يا أبناي الأرض ، فقالوا ما بها ؟
قال إن بها كنز مدفون ولكنّي قد نسيت مكانه فإيّاكم وبيعها إن تركتكم من ورائي بهذه الدّار الفانية ، فقال الإبن الأكبر ، لا تقل هذا يا أبي فوالله لن نبيع شبراً منها حتى نجد الكنز ذاك ، فردَّ عليه الأب وهو يتخبط في كلامه قائلاً : لا لا أوئن لم تجدوا الكنز ، فما عساكم فاعلون ؟ وراح يتصبّب عرقاً ويهتز إلى أن فارق الحياة دون أخذه لإجابتهم .
ودُفن الأب وكبُر الأبناء وصار كل واحد منهم يحكي للآخر قصة الكنز المدفون في الأرض ومتى يقومون بالبحث عليه ومن أي جهة يبدؤونه حتى مرّت عليهم أيام قفار واشتدّ بهم الفقر ، فاجتمعوا في يوم سبتٍ بطلبٍ من كبيرهم واتفقوا على رأيٍ يقضي بهم للفلاح ويخلّصهم ممّا هم فيه وهو البحث عن الكنز ، فشدوا العزيمة بيوم غدٍ وبدؤا مواظبين على البحث ، كل يوم وما كُتِب له من التقليب للأرض وما لبثوا أن ينتهوا منها حتى قال أكبرهم قد مللتُ درعاً من البحث ، وإني ظانٌ أن لا يوجد بهذه الأرض كنز ، بل إنّ أبانا قد كان يهذي قبل موته وهو شيخ خرِف ، ما من كنز أراه لكم . فقال الأوسط صبراً أخي كدنا ننتهي وقد يُكشف الأمر كلّه ، فضحك أخوهما الأصغر من قولهما ، فنظرا إليه إخوته متعجبين مما بدى منه ثم قال لهم : أتدرون لما أنا أضحك ، فقالوا نعم تضحك علينا ، قال لا ، بل إنني أضحك من قول أبي والكنز المدفون ، فقالوا كيف ذاك ما تعني ؟ قال رحم الله أبانا الذي جعل لنا كنزان في أرضه التي أورثنا ، أنظروا كم مساحة من الأرض قد قُلّبت أليس غالباً وبالأحرى أن تكون الأرض هي الكنز المقصود بل وأزيدكم على ذالك وهو الكنز الأكبر أخوّتنا فلا أرى بعدُ كنزاً أكبر من الذي نحن فيه ، فضحك أخويه وضحك الجميع ووُجد الكنز المفقود والكنز الغير مدفون وهو تآخيهم .
وعاش الإخوة متحابين متمسكين بأرضهم ومتحدين كاليد الواحدة ،وما أجمله من كنز لو نظرنا إلى الدنيا بنظرة الآخرة وما أجمله من فلاح لو عاش كل منا بكنز كُتب له دون كنوز الأموال الدنيوية المنحطة لاسيما في زماننا هذا فمال بلا زكاة هو فقر مبين ،و فقر في طاعة الله هو الغنا كلّه ويا له من كنز مُبين .