المعراج رحلة ملكوتية معنوية، أى أن الأسباب معطلة في عالم الملكوت، فلِمَ جعل الله معراجاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصل به إلى هذه العوالم؟
كلمة الأسباب معطلة في عالم الملكوت غير صحيحة، ومن قالها عليه تصويب كلامه، لأن الله جعل الكون كله عاليه ودانيه قائماً على الأسباب.
فلعالم الملك أسبابٌ من الملك، ولعالم الملكوت أسبابٌ ملكوتية، نحن لا نراها لكن عالم الملكوت يراها، فجعل الله له سبباً ملكوتياً وهو المعراج، كما كان راكباً البراق في عالم الملك، لأنه مثل ركائب عالم المُلك: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} النحل8
والبراق مثل البغل، والبغل أصله حصان وأمه حمارة، وهو أهدأ قليلاً في السير عن الحصان، وأحسن من الحمار.
وفي الملكوت كان المعراج:
وهو عبارة عن شيء نوراني ملكوتي حمله الله عليه ليعبر به هذه العوالم العلوية، فما شكله؟ لا نعرف لأنه شيء خارج إطارنا وخارج نطاقنا، فلم نره ولم يره أحدٌ، وكل ما وصل إليه العلماء أن كلمة المعراج تعني السُلم، فكيف يكون سُلماً ليصعد من هنا إلى السماء السابعة؟ ولو كان هؤلاء العلماء في عصرنا لقالوا: "أسانسير" فهم أخذوا بالمسمَّى اللغوى، لكن المعراج شيٌ ملكوتي، والملكوت كله نور، وهو من عالم النور، جعله الله سبباً لحضرته، لأن الله أقام الكون كله على الأسباب.
ولما تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى كان هناك سبب آخر يليق بهذه العوالم اسمه الرفرف الأخضر، فما كان شكله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثمّ دلّى لي رفرف أخضر يغلب ضوءه ضوء الشمس فألتمع بصري ووضعت على ذلك الرفرف ثمّ إحتملني"{1}
ما شكله؟ لا نعرف، هل يشبه سفينة الفضاء؟ الله أعلم، لأن هذه أمورٌ غيبية لا يعلمها إلا من أشرقت عيون قلبه بالأنوار الربانية، وأطلعه الله على قبسٍ من هذه الخصوصية الإلهية، لكنه يمشى مع هذه الأسباب.